الزاوية الكركرية بباكستان وتقدير المرأة التي هي أساس البنيان
يقول ربّ العزّة والجلال في مُحكَم الذّكر: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء 1.
خلق الله سيدنا آدم عليه السلام من تراب فكرّمه بنفخة الروح وأمريّة السجود ثم خلق الأنثى من كمال الصورة المكرّمة بعد شرف سجدة الاستخلاف فسمّاها حوّاء لتمام انقباضها إليه واحتواءها باطنه وظهورها به، لتكون أصلا في الوصل والاستمرار وركيزة البناء والإعمار ومعدنا في معرفة مراتب التسيير ومراكب الاختيار على الكنه المماثل الفطريّ الذي أوجدت عليه، ساهرة في المحيط الكونيّ على أمانة مسارها الوجودي والذي علّته عبادة المحبّة.
فَأَوْلَتْ لها الحنيفيّة السّمحة كبير التعظيم وأوسع الاهتمام وأعزّ لها الإسلام في كل أدوارها المقام، حيث كلَّفها الله مع الرجل وجعلهما سواء في نهوضهما بمهمّة الاستخلاف في الأرض، وأجرى عليهما من عامّ وخصوص الواجبات في ذلك ما مثله لهما من الحقوق والأجور والمَكْرُمَات، ” النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ ” . وكما أنّ المُريد الصوفي في الزاوية الكركرية يمرّ في طريق التعرّف إلى الله بمحطات معرفة نفسه ، فإنّ أوّل ما يميطه عنه مولانا شيخ التربية والتزكية سيدنا محمد فوزي الكركري قدّس الله سرّه من رعونات أذى الجاهليّة الأولى المتواتر سريانه في النفوس البشرية والذي يلوط حياض كوثر مدينة علم الحضرة القدّوسيّة هو ذلكم الاستحقار للغير والذي تجلّت أقبح صوره قديما كما الآن في حقّ الأنثى، فَوُئِدَت حقيقتها وظلمت حقّها وبخس دورها ،وما ذلك إلا لدنوّ همّة الإنسان عن معرفة كنز فطريّته.
هكذا يتفقّد شيخ الزاوية الكركرية بتربيته مريديه ومراتب سلوكهم في المحيط الاجتماعي ،فَيُحدِثُ لهم ذكرا بالآي القرآني يتحققون به في سيرهم مع خلق الله حتى يتذوّقوا تنزّله على قلوبهم ويجدّد لهم قراءته بجوارح الامتثال .
تربية دينية مُسْنَدَة أثمرت في أقطار العالم مبادرات تنموية ومساهمات إنسانية حفّت جميع الميادين والمجالات ، من ذلك ما تمظهرت به الزاوية الكركرية في جمهورية الباكستان من أعمال إحسانية أهّلت كثيرا من القرى حتى صيّرتها مواكبة لطريق النهضة والترقّي الإنساني الذي أثلج صدور الأهالي ونفّس كرب المحتاجين ومكّن أماني العاجزين لمسايرة رسالة التعمير والاستصلاح.
وعليه شهدت جمهورية الباكستان مشروع تنموي كبير لفائدة النساء الأرامل والفقيرات بقرية Arab Solangi بمنطقة Khairpurالتابعة لإقليم Sindh حيث افتتحت الزاوية الكركرية عن طريق مريديها مركزا لتعلّم الخياطة وصناعة الملابس والذي يتيح لعدد كبير من النساء فرص تعلّم هذا الفن والاشتغال به مع تأمينه رواتب الدخل الشهري السليم تحصيله ومكافئات الإبداع والإتقان المسلّمة بعد البيع .مساهمة أخرى تساند بها الزاوية الكركرية في ربوع آسيا المرأة وتعزّزها بموارد التّمكين حتى تسقط عن كاهلها مشقّة الإعالة ومذلّة السعاية ، وتسهم معها في رعاية أسرتها على مبدأ التوكّل ومعول الثقة ، ليكون مناسبا لعيدها العالمي الذي يذكّر بواجب محيطها في رعاية حقوقها والمنافحة صيانة لحقيقة جوهرها.مبادرة تركت أثرا جليّا في نساء قرية Arab Solangi وضواحيها الذين توافدوا على المركز يتذوّقن مبادئ نفع المجتمع وإصلاح الفرد ولاسيّما بعد استلامهنّ أوّل رواتب أثر فعلهنّ الإيجابي وكسوتهنّ فقيرات يتامى القرية ، ليكون شكرهن ومريدي الزاوية الكركرية بجمهورية باكستان مبذولا لمولانا الشيخ سيدنا محمد فوزي الكركري قدّس الله سرّه الذي أعربوا له عن عميق محبّتهم التي سبقتها محبّته وتمسّكهم بجميل سمته في الدلالة على الله قولا فياضا بعلوم الحقائق وفعلا مؤثرا في نفوس الخلائق كذا همّته التربوية النورانية التي استخلصتهم من غور الأنا الإبليسيّة إلى طيّب أرض نَحْنُ المستخرج نباتها بطهارة غيث الرحمة المصطفويّة.
صورة حيّة تنقلها الزاوية الكركرية بمريديها في أنحاء العالم توسّع أودية سريان المحبّة في الفطرة البشرية وتدعو للاعتصام بنصيحة إفشاء سلامها في العالمين قصد الرجوع بثمرة الإيمان إلى طيّب جنّة معرفة الحقّ برعاية مراده في الخلق.