يقول الله تعالى ” ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ الممتحنة: 8
إن المتطلّع إلى مبادئ مراتب ديننا الحنيف من إسلام وإيمان و إحسان، ليبهره مظاهر التكامل في تشريعاته ودقائقها وجوانب الانسجام في أحكامه وحقائقها، مما يجعله منقادا للقول باليقين بتفرد الإسلام في شموليته ، بدءا من دعوة الإنسان إلى التعرف إلى خالقه والتمسك بحبل حجّته إلى توطيد تعاملاته مع المحيط الكوني منطلقا من نفسه ومراتب التّعداد إلى مرآة الآفاق وتلوّنات آيات السّداد بناءا على الأسس المتينة الصحيحة، والقواعد الراسخة الصريحة.
هذه الشريعة الغرّاء السمحة التي استوى كمالها فكانت مجلى آداب السلوك في طريق معرفة الله سيرا على بساط ترويض الجوارح بالاستسلام حتى يتحقق في القلب السلام للدخول لحضرة الحق ” السلام علينا و على عباد الله الصالحين ” بحسن المعاملة وبذل السماحة والجود لينفعل بالإحسان الوجود فقال رب العزة والجلال ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ النحل 90 وبيّن الرحمة المهداة صل الله عليه وآله وسلم مبلغ وحدّ الإحسان من أمرية الحقّ فقال عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام﴿ إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ﴾ ، فكان بهذا حَيِّزُ تَقْيِيدِ إحسان الشيء إلى الشيء غائبًا في حضرة إطلاق من ليس كمثله شيء ،وعليه ما كان ولوج ميادين مرتبة الإحسان إلا به فقال صل الله عليه وآله و سلم لمّا سئل عن الإحسان ” أن تعبد الله كأنك تراه ” فجعل إحسانه إليك فضلا عليك لشهودك إياه وإحسانك منه على يديك لبقاءك به وغيبة منك عمن سواه .
يقول سيدنا الشيخ المربي مولانا محمد فوزي الكركري قدّس الله سرّه ”رُبَّمَا نَظَرْتَ بِمِنْظَارِ الوَحْدَانِيَّةِ فَاسْتَوَى عِنْدَكَ الخَلَائِقُ لِتَمَاثُلِ أَسْمَاءِ الحَقَائِقِ , فَإِذَا كُشِفَ الغِطَاءُ وَتَحَدَّدَ البَصَرُ وَجَدْتَ أَحَدِيَّةَ العَيْنِ سَائِرَةً بَيْنَ الصُّوَرِ دُرَّةً قَدِ احْتَوَتْهَا صَدَفَاتُ الأَثَرِ بِسِرِّ ”اسْتَطْعَمْتُكَ عَبْدِي فَلَمْ تُطْعِمْنِي”.
بالذوق العرفاني الصوفي والحسّ التربوي العملي الذي أحيت به الطريقة الكركرية قلوب مريديها بجمهورية مدغشقر وقومت به سلوكياتهم الفردية و الاجتماعية ودائما تحت وفير ظلال شجرة المصطفى صل الله عليه وآله وسلم التي فاحت نفحات خير وصله في شهر ربيع الأغر قامت مريدات الزاوية الكركرية بمدينة Tuléar بعد الاحتفال بمولد سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام إتماما لما عهد إلينا في الإحسان إلى الوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل ، بمبادرة خيرية اجتماعية تمثلت في توزيعهن قفف المؤن الغذائية من زيت و أرز ومستهلكات الطهي على أكثر من مائة مسيحي من رعية القديس بولس أمام كاتدرائية منطقة Tsianaloka حيث كثر مؤخرا نشاط فقراء الزاوية الكركرية والذين سعدت بتحولهم الإيجابي الفعّال محيط القرية و أهلها ، الأمر الذي أشاد به كاهن الرعيّة بعد اندهاشه وسعادته المفرطة بهذه الخطوة التي تلت مثيلاتها ذوات الجوانب المتعددة حيث غمر جمع الحاضرين فرحة التآخي والمحبة مما أودى إلى بعضهم بالبكاء سرورا لظهور لطافة القيم الإنسانية و نبل السماحة الدينية التي أنهكها زبد الأفكار المنحرفة وزيغ السبل الدخيلة.مشهد مهيب أرّخته ساحة كاتدرائية Tsianaloka وسط خطبة الراهب الذي أعرب عن تقديره وشكره لشيخ الزاوية الكركرية على ما قدّمه على يد مريداته ومريديه في مدغشقر من وراء توجيهاته و تربيته السمحة والتي تنم عن عمق ورسوخ أصل دعوة المحبة واتساع مدارك معرفة الخالق الذي وسعت رحمته كل شيء .مبادرة أحيت أثر سلوك فقراء الزاوية الكركرية فرع وجدة بالمغرب قبيل دخول شهر رمضان المعظم ومع أول بوادر أزمة وباء كوفيد 19 حيث عمدوا إلى زيارة كنيسة سان لويس مقدمين دعمهم المعنوي و المادي إلى الراهب أنطوان الذي حمل من وراء الكنيسة على عاتقه مسؤولية التكلف بالمهاجرين موطدين بذلك أواصر التآخي الديني و التآزر الإنساني و التلاحم الوطني في أبهى صور المشاركات الروحية التي تحويها مملكة مغرب أمير المؤمنين حامي حمى الملّة و الدين جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيّده.